بشرى الوافي تنشر فيديوهات توثق ثلاث مراحل من عملية التنويم كما تتم في عيادات الأطباء. وهي الإدخال في الغشية ، ثم مباشرة التدخل العلاجي ، ثم الإيقاظ ....
أهم ما في هذه التجربة الموثقة هو الجمع بين مجالين يبدوان متباعدين لأول وهلة وهما : طب الأسنان والتنويم المغناطيسي .
فطب الأسنان جزء من الطب الوضعي الرسمي المعاصر المقنن والمرتب نظريا والمنظم تطبيقيا وفقا لمعايير عالمية مجمع عليها .....أما التنويم المغناطيسي فمجال غير معروف في العالم العربي إلا لدى نخبة قليلة العدد ، وما يزال في المخيال الشعبي مرتبطا بالجن والشياطين و"السماوي" والصرع وتطبيقات السحرة والمشعوذين ، وما يزال في الأوساط الجامعية والأكاديمية الرسمية مجهولا ، أو منعوتا بأنه متجاوز من طرف التحليل النفسي، مع ادعاء أننا لم نعد في حاجة إليه ..
بل إن كثيرا من المتخصصين في علم النفس - وهم أقرب الناس إلى مجال التنويم المغناطيسي - لا يعرفون أي شيء عن تقنيات التنويم ومراحله (كالتخشب والسبات والجولان النومي ) والإمكانيات التي يتوفر عليها في مجالي التنمية الذاتية واستكشاف الذات والعقل (كتقوية الذاكرة ، والبرمجة ، وخداع الحواس بواسطة الإيحاء الاستغوائي ، والكشف عن الأسباب الطفولية للأمراض، والإيحاء اللاحق التنفيذ أو الإلهام التنويمي المؤجل، والبرمجة على تجاهل الألم الخ ) ....
وقد نسمع من الأكاديميين أن واضعي البرمجة اللغوية العصبية استلهما التنويم الإيريكسوني.. ورغم كل هذا فالتنويم ما يزال مجهولا ، ولا يعرف أبعاده العميقة إلا من مارسه أو خضع للتجربة واستشعر مدى التغيير الذي طرأ عليه بعدها أو قرأ كثيرا من الكتب التي تصف كيفية التنويم ومراحله ووجوه الاستفادة منه ...وأنا لا أستغرب أن أرى بين الجامعيين من ينكر التنويم المغناطيسي ويقول إنه خدعة أو عملية نصب يتواطأ فيها كل من المنوم والوسيط ويتفقان على تمثيل المشهد .. أنا أعذر مثل هؤلاء لأنهم يتحدثون انطلاقا من المعلومات المحدودة التي يتوفرون عليها أو من خلال ما تحكيه الأفلام السينمائية ، ولأن مجال الطب عندنا لا يستحضر التنويم ولا يستخدمه ولا يلجأ إلى خدماته ولا يدرسه في كليات الطب ...فمن الطبيعي إذا أن يبقى في عداد المجهولات المقصيات عن دائرة "العقل والعلم والمنطق والواقع "، مرتبطا في الأذهان بالسحر والشعوذة والخرافة والنصب والاحتيال ....
ولعلم القارئ الكريم فإن العلماء الروس أجروا منذ عشرينيات القرن الماضي تجارب تنويمية غريبة وغير عادية ، يتم فيها الإيحاء إلى الأشخاص عن بعد ، بغير علمهم وتصدر إليهم أوامر محددة فينفذونها في الوقت المحدد وهم لا يشعرون أنهم مبرمجون عن بعد ، على القيام بها . وهذا ما يسمى بالنوام التخاطري ، كما اهتم الأمريكيون بالتنويم ونشر أحد أعداد مجلة "الأعماق" في السبعينيات من القرن الماضي أن الأمريكي الدكتور وليم براين ( الذي اشتغل معه المرحوم الدكتور التهامي محمد الوكيلي في فترة ما ) كان ينوم طلبته قبل أن يلقي عليهم محاضراته التي تشتمل على آخر ما توصل إليه في أبحاثه من حقائق في مجال التنويم المغناطيسي ..
وقد استخدم الغربيون التنويم المغناطيسي في مجال الطب والتربية والتعليم ، وتطوير المهارات والقدرات الفنية والرياضية والإبداعية لدى الأفراد ، بينما لا زلنا نحن نتجادل حول التنويم وما إذا موجودا أم غير موجود ؟ حقيقة أم خرافة ؟ ..
إنه التخلف بعينه ....
التخلف الذي يجعلنا بعيدين عن خط الانطلاق بآلاف الكيلومترات ....
لذا نتمنى أن تستيقظ الأذهان وأن يتحرك الباحثون والمجتهدون للجمع بين المجالات المتباعدة ، وأن نقصي الأفكار المسبقة ، والأحكام الجاهزة ، التي تحرمنا من الاستفادة علميا وعمليا من مجالات حيوية كالتنويم ، والتأمل والفوسفينية ، والاسترخاء والوعي بالجسد ، وتقنيات التمثل البصري ، وسائر تقنيات تطوير الطاقة البشرية الكامنة .....
المحجوب مزاوي