عندما تحين ساعة الموت, تنسحب طاقة الحياة التي تغذّي وتُحْيي كلّ خليّة من جسمنا فتتوقّف كلّ الخلايا عن العمل. ثمّ تبدأ هذه الطّاقة بالتّجمُّع في المسار الرّئيسيّ المركزيّ للمقامات السّبعة وسط الجسد، حيث ينقطع بعدها شحن المقامات الموجودة في أسفل الجسم بالمزيد من الطّاقة, فتبدأ بالانسحاب التدريجيّ الى المقامات الأكثر علوًّا, حيث تغادر طاقة الحياة الجسم من مؤخّرة الرأس وصعودًا إلى أعلى.
أخيرًا، يتمّ انفصال الجسد الرّوحيّ عن الجسد الفيزيائيّ ويبدأ بالطّوفان حوله, إذ يردّد الكثير من النّاس قول “لقد مات وأسلم الرّوح”. عندها, يتحرّر الجسد الرّوحيّ, ويستطيع الفرد رؤية جسده من الأعلى. من الممكن مثلًا أن يرى جسده ممدّدًا على الفراش, محاطًا بالأقرباء والأصدقاء, فيحاول مخاطبتهم لإفهامهم أنّ كلّ شيء على أحسن ما يرام. ولكن, بما أنّهم لا يزالون يعيشون في عالم الحواسّ الخمس, لن يكون في استطاعتهم الكشف أو التّحقُّق من وجود جسد الفقيد الروحيّ, لأنّ جسده الآن لن يكون مكوَّنًا من المادّة, ولكن من الذّبذبات.
من البديهيّ أن يكون الجسد الرّوحيّ موصولًا بالجسد الفيزيائيّ, كطائرة الورق الموصولة بحبلها. إنّ هذا الحبل الرّوحيّ “الذّبذبيّ” يمكنه أن يطول آلاف الأميال. ولكن, كما يتمّ قطع الحبل السّريّ عند الولادة, يتمّ فصل الحبل الرّوحي عند الموت. إذا كانت الغرفة عند الوفاة داكنة ومظلمة, فإنّ هذه الصلة الرّوحيّة ستطول. أمّا إذا كانت الغرفة مضيئة ومُبهِجة, فإنّ الجسد الرّوحي سينفصل بسرعة وسهولة ليطوف وينطلق بحريّة, فيبدأ الفرد بمشاهدة بيته, أفراد عائلته, وجيرانه. كما أنّه سيقابل دليلًا روحيًّا أو اثنين, ليسعفاه كالدّاية التي تساعد الأمّ على القيام بولادة طبيعيّة. هذه الأرواح تظهر بعد الموت مباشرةً للمساعدة في الانتقال إلى العالم التّالي.
ولكن طالما أنّ الجسد الرّوحيّ موصولٌ بالجسد الفيزيائيّ, فإنّ الفرد لن يعرف بالضّبط ما إذا كان على قيد الحياة أم لا. أو بكلام آخر, من الممكن أن لا يستطيع تحديد وجوده كإنسان في عالم الحياة الأرضيّة فلا يعي أنّه دخل عالم الأرواح. عندما ينفصل الجسد الرّوحي كليًّا, يعي الفرد أنّه لم يعد موصولًا بالأرض, وأنّه الآن على وشك بدء حياة أخرى في بعدٍ جديد لن يتغذّى فيه بالطّعام والهواء والماء, ولكن بالطّاقة والذّبذبات.
من أولى الانطباعات التي تتكوَّن عند الفرد في ذلك العالم هو الضّوء الأحمر الدّاكن اللّون الذي يشعّ من أسفل الجسد الرّوحيّ. هذا هو حقل الطّاقة الذي يصلنا مع النّقطة المركزيّة للأرض. وسينكشف فوقنا ضوءٌ لامعٌ مشعٌّ, ليأخذنا في نهاية الأمر إلى البعد الآخر.
نعيش داخل أرحام أمّهاتنا في عالم داكن ومظلم. وعلى الأرض, نعيش في عالم يوجد فيه تفاوُت بين الظّلمة والنّور. أما العالم التّالي, فهو عالم النّور, أو ما نسمّيه “لايف-ترون, ينيفيرسون, كوزمون” أو المجموعات الإنشائيّة الكونيّة التي يتألّف منها العالم الذّبذبيّ. سوف نتلألأ بشحن هادئ وجميل من الطّاقة والنّور. هذا العالم المضيء والمشعّ سيكون بيتنا ومكاننا بعد موتنا الفيزيائيّ هذا.
وعندما نتأقلم جيّدًا مع هذا العالم الرّوحيّ, سوف يكون باستطاعتنا التنقّل بحريّة في كلّ وجميع أنحاء الأبعاد الهائلة التي يطالها الفضاء. بعكس هذا العالم, حيث يجب علينا العمل بكدٍّ وجدٍّ لنحقيق جزء من أحلامنا. أمّا هناك فستتحوّل أفكارنا إلى حقيقةٍ واقعة. على سبيل المثال, بمجرد أن نفكّر برؤية شخص ما, سنشاهد هذا الشّخص أمامنا في شكله الرّوحيّ. الفكرة التي تتشكّل في ذلك العالم ستتحوّل فورًا تجربةً حيّة.
إقرأ أيضا :
إنّ الموت الطّبيعيّ هو كناية عن عمليّة نموّ وتطوّر روحيّ. إنّها خطوة واحدة من رحلة عودتنا إلى اللّانهاية, والذي يشكّل أصلنا ومرجعنا الحقيقيّ في هذه الحياة, وهو ببساطة نقطة تحوّل من هذا العالم إلى ذاك العالم, مثل مراحل ولادتنا التي مررنا بها كبشر عندما تحوّلت حياتنا من مائيّة إلى هوائيّة. كلّ كائن يولد في هذا العالم يجب أن يموت ليولد في الحياة التّالية, بغضّ النّظر عمّن نكون وماذا نريد أن نحقّق, فالحياة استمراريّة. من خلال الموت ننمو ونتطوّر من بُعدٍ إلى آخر. ليس هناك مبرّر للخوف, فعندما يحين موعد الموت, وخصوصًا بعد حياة طويلة وصحيّة وواعية, فمن الطّبيعيّ عندها أن تكون تجربة الموت تجربة روحيّة نَيّرة لكلّ فردٍ منّا.
عالِم الماكروبيوتيك الرّوحيّ الكبير ميتشيو كوتشي